المرأة وآفاق القيادة في إدارة الشركات
يشهد العالم الإداريّ تغييرات كثيرة كان أبرزها تعيين كيم كيونغ-آه كرئيسة تنفيذيّة لشركة سامسونج الكوريّة، وهو بدوره حدثٌ بارز في مجال التنوّع بين الجنسين، ولا سيّما أنّها أوّل امرأة من خارج العائلة المؤسِّسة تترأس هذه الشركة العريقة. قابلت البيان البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ لتحدّثنا عن هذا التغيير الثقافيّ العميق في ظلّ موروث يتمتّع بتسلسل هرميّ متين خصوصًا في شؤون الشركات، وانعكاسات هذه القرارات وآفاقها على دور المرأة في الشؤون الإداريّة عمومًا.
- بدايةً، إلى أيّ مدى يُعتبر هذا الإنجاز نجاحًا للمرأة؟ وكيف يمكن قياسه؟
- إنّ هذا الإنجاز، إلى جانب صعود العديد من المديرات التنفيذيّات الأخريات من بلدان مختلفة حول العالم، لا يقيس النجاح فحسب، بل يقيس أيضًا احتمالات تحرير المرأة في سياقات مؤسَّسيّة متنوّعة، والتي لا تزال غير قابلة للتغلّب عليها. وبالتالي، فإن هذا الإنجاز ليس مجرّد تقدّم في التنوّع بين الجنسين في سامسونج؛ بل إنّه دراسة حالة ملهمة لتمكين المرأة وتغيير التقاليد في الأعمال التجاريّة العالميّة.
- هل صعود امرأة كونها رئيسة إدارة أمرٌ فريد من نوعه؟
- إن القيادات النسائيّة على مستوى العالم تظهر قدرة المديرات التنفيذيّات على توجيه الصناعات المتنوّعة، وليس أمرٌ فريد من نوعه، لكنّه بحدّ ذاته تخطّي للتقاليد. على سبيل المثال، تقود ماري بارا شركة جنرال موتورز نحو استراتيجيّة المركبات الكهربائيّة في حين تشنّ حملة لكي تصبح واحدة من أكبر شركات صناعة السيارات وأكثرها استدامة. ومن ناحية أخرى، تتمتّع جين فريزر، باعتبارها أول رئيسة تنفيذيّة لبنك كبير في وول ستريت، بتميّز كسر الحواجز بين الجنسَين غير المتوقّعة في هذه العوالم الماليّة التي يحدّدها الذكور تقليديًّا. وتمثّل تلك النساء تناقضًا صارخًا مع بيئة الأعمال الحاليّة في العالم، حيث تظلّ نسبة أعضاء مجلس الإدارة من الإناث في الشركات الكبرى منخفضة وخجولة.
- هل هذه التغييرات وليدة اللحظة؟ وما هي أبرز العقبات التي واجهتها المرأة؟
- لقد كان تمكين المرأة في عالم الشركات عملية تحوّل طويلة وتدريجيّة. فمن التمييز القائم على الجنس، إلى الإقصاء المنهجيّ من المناصب القياديّة، كانت الحواجز الراسخة هي كلّ ما كان على النساء محاربته تاريخيًّا. ومع ذلك، فقد أثبتت العديد من القيادات النسائيّة التي ظهرت كرموز للمرونة والتقدّم أنّ التنوّع بين الجنسين أكثر من مجرّد ضرورة اجتماعيّة؛ بل إنّه ميزة استراتيجيّة في مجال الأعمال. في السابق، كانت المعايير المجتمعيّة وثقافة مكان العمل تمنع النساء من الوصول إلى مناصب قياديّة. وعلى الرغم من التغييرات التدريجيّة مثل التقدّم في التشريعات التي تتطلّب التنوّع في مجالس إدارة الشركات، إلّا أنّ التحدّيات لا تزال متجذّرة في الثقافة والمنظّمات.
- فيما يتعلّق بالإدارة العائليّة، هل يمكن أن تحديثنا قليلًا عن أبرز التحدّيات؟
- إن عالم الشركات، وخصوصًا في التكتلات المملوكة للعائلات، يقوك ويزدهر عادة على التقاليد التي تتسم بالأنظمة الهرميّة. إن جلب ممثلين من خارج العائلة المؤسِّسة يشكّل في الواقع انحرافًا كبيرًا عن القاعدة. فمن خلال جلب السيدة كيم، كما ذكرنا سابقًا، لم تتوقّف سامسونج عن كونها شركة تقليديّة فحسب، بل إنّها أرسلت أيضًا رسالة قويّة عن جدارتها العظيمة على حساب الإرث. وهذا يتماشى مع الاتجاهات الأكثر عموميّة في جميع أنحاء العالم، حيث رأينا الشركات تتبنّى بشكل متزايد فكرة مفادها أنّ القيادة المتنوّعة تعزّز الإبداع، وتعزّز عملية اتّخاذ القرار، وتعكس التكوين غير المتجانس لقاعدة العملاء.
- هل تعتقدين أنّ العالم عمومًا، والعالم العربيّ خصوصًا سيستلهم من تجارب القائدات الإداريّة في المستقبل القريب؟
- إنّ تعيين بعض النساء كرئيسات تنفيذيّات يمثّل في الواقع شعاع نور للنساء الراغبات في اقتحام الصناعات التي يهيمن عليها الرجال تقليديًّا، ولكنّ الأهم من ذلك فهو تذكير بأنّ تمكين المرأة لا يتعلّق بالحصص، بل بالاعتراف بإمكانيّة تحقيق اختراقات وتقدّم استنادًا إلى الكفاءة. ومع إحراز التكتّلات للتقدّم في إدماج النوع الاجتماعيّ مع تعطيل التقاليد القديمة، فإنّ هذا سيكون بمثابة علامة فارقة في وضع سابقة للمجتمعات البشريّة التقدّميّة.
هذا النجاح ليس فرديًّا، بل نجاح في دفع الشركات الأخرى للمشاركة على عدّة مستويات: بدايةً مع برامج الإرشاد والرعاية من خلال تقديم الدعم والتوجيه نحو توجيه النساء في مسيرتهن المهنيّة في هذه العملية. وكذلك، سياسة العمل بمرونة لمعالجة تحدّيات التوازن بين العمل والحياة التي قد تكون أكثر وضوحًا بالنسبة للنساء. بالإضافة إلى تنمية القيادة من خلال تزويد النساء بالمهارات اللازمة للنجاح في أعلى مستويات القيادة. وأخيرًا، المساءلة بشأن التنوّع بين الجنسين - أهداف قابلة للقياس في القيادة النسائيّة ومحاسبة مجالس الإدارة.
- ختامًا، ما توصياتكِ للمرأة العربيّة في مواكبة تحدّيات القيادات الإداريّة في الشرق الأوسط والمنطقة؟
- في الواقع، لا تزال الرحلة نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسين في القيادة داخل عالم الشركات مستمرّة، وقد أصبحت ممكنة بفضل القيادات النسائيّة العظيمة في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من اختلاف السياقات الثقافيّة بشكلٍ كبير، فقد أصبح هذا مبدأ عالميًّا: تمكين المرأة في مجال الأعمال يؤدّي إلى منظّمات أقوى وأوسع ابتكارًا. هناك قوّة لمستقبل لا يتمّ فيه تحديد القيادة على أساس الجنس من الشركات المتنوّعة. في المشهد العربيّ، تبقى بعض الأسئلة: أين دور المرأة؟ أين تمثيلها العادل؟ كيف تتعامل الحكومة مع التغيير الديموغرافيّ المستمرّ منذ عقود في المنطقة؟ هل تستفيد من إمكانات المرأة العربيّة، التي أثبتت قوّتها وحكمتها في جميع المجالات؟