هل تتخطّى المرأة حواجز التقاليد والقيادة؟
يُعدّ تعيين كيم كيونغ-آه في منصب الرئيس التنفيذي لشركة «سامسونغ» حدثاً بارزاً في مجال التنوّع بين الجنسَين في كوريا الجنوبية وخارجها. وباعتبارها أوّل امرأة على الإطلاق من خارج عائلة «سامسونغ» المؤسِّسة، تترأس إحدى الشركات التابعة لها، فإنّ ترقية كيم علامة على حدوث تغيير ثقافيّ عميق في بلد يتمتّع بتسلسل هرمي تقليدي قوي بين الجنسَين في شؤون الشركات.
ولا يَقيس هذا الإنجاز، إلى جانب صعود العديد من المديرات التنفيذيات الأخريات من بلدان مختلفة حول العالم، النجاح فحسب، بل يَقيس أيضاً الصعاب التي لم يتمّ التغلّب عليها بعد لتحرير المرأة في مختلف سياقات الشركات المتنوّعة. بالتالي، فإنّ هذا الإنجاز لا يعني فقط تقدّماً في مجال التنوّع بين الجنسَين في «سامسونغ»؛ بل هو دراسة حالة مُلهمة لتمكين المرأة وتغيير التقاليد في مجال الأعمال التجارية العالمية.
تُبرز القيادات النسائية على مستوى العالم، ماري بارا (جنرال موتورز)، وجين فريزر (سيتي غروب)، إلخ... لمسة السيدات التنفيذيات في توجيه دفّة القطاعات على تنوّعها... على سبيل المثال، تقود ماري بارا شركة «جنرال موتورز» إلى استراتيجية السيارات الكهربائية، بينما تقود حملة من أجل أن تكون واحدة من أكبر شركات صناعة السيارات الأكثر استدامة.
من ناحية أُخرى، فإنّ جين فريزر، كونها أول رئيسة تنفيذية أنثى في أحد البنوك الكبرى في وول ستريت، تُميّز كسر العقبات غير المتوقعة التي يواجهها الجنسان في هذه العوالم المالية التي عادةً ما تكون محدّدة للذكور. وتمثّل هؤلاء النساء تناقضاً كبيراً مع بيئة الأعمال التجارية الحالية في كوريا الجنوبية، إذ تبلغ نسبة النساء 10% فقط من أعضاء مجالس الإدارة في الشركات الكبيرة المدرجة في البورصة بحلول العام 2023، على رغم من إقرار أخيراً القوانين الإلزامية للتنوّع بين الجنسَين.
لقد كان تمكين المرأة في مجال الشركات تحوّلاً طويلاً وتدريجياً. فتاريخياً، كانت الحواجز الراسخة هي كلّ ما كان على النساء محاربته، بدءاً من التحيّز ضدّ المرأة وحتى الاستبعاد المنهجي من المناصب القيادية.
مع ذلك، فإنّ كيم كيونغ آه مِن بين الرائدات اللواتي برزنَ كرموز للمرونة والتقدّم، وأثبتن أنّ التنوّع بين الجنسَين أكثر بكثير من مجرّد ضرورة اجتماعية؛ فهو ميزة استراتيجية في مجال الأعمال التجارية.
سابقاً، حالت الأعراف المجتمعية وثقافة مكان العمل دون وصول المرأة إلى مناصب قيادية في كوريا الجنوبية. وعلى رغم من حدوث تغييرات تدريجية مثل التقدّم في التشريعات التي تتطلّب التنوّع في مجالس إدارة الشركات في العام 2020، إلّا أنّ التحدّيات لا تزال متجذّرة في الثقافة والمؤسسات.
بكلماتٍ أُخرى، مقارنةً ببلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية وأجزاء من أوروبا، من الصعب على المرأة أن ترتقي إلى مناصب قيادية في الشركات في المجتمع بسبب المعايير الثقافيّة والتنظيميّة.
من الأمثلة على تلك القائدات روزاليند بروير (Walgreens Boots Alliance) وكارول تومي (UPS)، اللتان تسلّطان الضوء على كيف يمكن لسياسات الشمولية، وبرامج الإرشاد، وخطوط المواهب القوية أن تؤدّي إلى التنوّع بين الجنسَين في الأدوار القياديّة.
على رغم من استمرار إحراز التقدّم، إلّا أنّ النساء في هذه المناطق يمثّلن صناعة صغيرة في شركات Fortune 500، إذ إنّهنّ لا يمثّلن سوى نسبة ضئيلة للغاية في هذه المؤسسات.
عادةً ما يزدهر عالم الشركات خصوصاً في التكتلات العائلية، مثل «سامسونغ»، على التقاليد التي تتسمّ بالأنظمة الهرمية. إنّ استقدام ممثّلين من خارج العائلة المؤسِّسة هو بالفعل خروج كبير عن المألوف.
من خلال استقدام كيم، لم تتوقّف «سامسونغ» عن كونها شركة تقليدية فحسب، بل مرّرت رسالة قوية للغاية عن الجدارة الكبيرة التي تتمتع بها على حساب الإرث.
يتماشى ذلك مع الاتجاهات الأكثر عمومية في جميع أنحاء العالم، إذ رأينا الشركات تتبنّى بشكل متزايد المفهوم القائل بأنّ القيادة المتنوّعة تعزّز الابتكار وتعزّز عملية صنع القرار، وتعكس التركيبة غير المتجانسة لقاعدة العملاء.
ووفقاً لمنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا تزال كوريا الجنوبية من بين الدول المتقدّمة، إذ تتميّز بأعلى فجوة في الأجور بين الجنسَين. قد يتمّ علاجها قريباً الحالة التي تواجه فيها المرأة في القوى العاملة معركة شاقة بسبب المجتمع المثقل بالتوقّعات والسبل المحدودة للارتقاء والتحيّزات الثقافيّة. وقد أدّت التغييرات التشريعيّة، مثل قانون العام 2020 الذي يفرض التنوّع بين الجنسَين في مجالس إدارة الشركات، إلى حدوث هذا التحوّل.
إنّ تعيين كيم كيونغ-آه في منصب الرئيس التنفيذي لشركة «سامسونغ» هو بالفعل بصيص ضوء للنساء الراغبات في اقتحام قطاعات يُهَيمن عليها الرجال تقليدياً.
والأهم من ذلك كله، فهو يذكّر بأنّ تمكين المرأة لا يتعلّق بالحصص، بل بإدراك الإمكانات التي تؤدّي إلى تحقيق اختراقات وتقدّم. ومع التقدّم الذي تحرزه تكتّلات مثل «سامسونغ» في مجال إدماج الجنسَين مع الإخلال بالتقاليد القديمة، فإنّ ذلك سيشكّل في هذه الحالة علامة فارقة في خلق سابقة للمجتمعات الإنسانية التقدّمية.
كما أنّ تولّي كيم رئاسة إدارة ليس نجاحاً فردياً، بل هو نجاح في دفع المؤسسات الأخرى إلى المشاركة في أصعدة عدة: أولاً، برامج التوجيه والرعاية بتقديم الدعم والتوجيه نحو الإبحار في مسيرة المرأة المهنية في هذه العملية.
ثانياً، سياسة العمل بمرونة لمعالجة تحدّيات التوازن بين العمل والحياة الشخصية التي قد تكون أكثر وضوحًا بالنسبة للنساء.
ثالثاً، تطوير القيادة بتزويد النساء بالمهارات اللازمة للنجاح في أعلى مستويات القيادة.
رابعاً، المساءلة في مجال التنوّع بين الجنسَين، وهي أهداف قابلة للقياس في قيادة المرأة ومساءلة مجالس الإدارة عن ذلك.
واقعياً، فإنّ الرحلة نحو تحقيق التكافؤ بين الجنسَين في القيادة ضمن عالم الشركات مستمرّة، وقد تحقّقت بفضل رائدات عظيمات في جميع أنحاء العالم. وعلى رغم من اختلاف السياقات الثقافية اختلافاً كبيراً، إلّا أنّ هذا الأمر أصبح بداهة عالمية: تمكين المرأة في مجال الأعمال يؤدّي إلى مؤسّسات أكثر قوّة وابتكاراً. هناك قوة من أجل مستقبل لا تحدّد فيه القيادة على أساس النوع الاجتماعي من شركات متنوّعة في جميع أنحاء كوريا الجنوبية ومن مستويات عديدة عبر القارات.
في المشهد اللبناني، تبقى بعض التساؤلات: أين دور المرأة؟ وأين تمثيلها العادل؟ وكيف تتعامل الحكومة مع التغيير الديموغرافي في لبنان منذ عقود؟ وهل تستثمر إمكانيات المرأة اللبنانية التي برهنت على قوّتها وحكمتها وحسن تدبيرها في الميادين كافة؟ أين دور المرأة؟ وأين تمثيلها العادل؟ وكيف تتعامل الحكومة مع التغيير الديموغرافي في لبنان منذ عقود؟ وهل تستثمر إمكانيات المرأة اللبنانية؟