التكنولوجيا الماليّة والثورة الرقميّة - مستقبل واعد وفرص عمل وفيرة
أنتجت الثورة الرقمية أدوات ومفاهيم تكنولوجية أسهمت في تطوير الاقتصاد والأسواق المالية. فمفهوما التكنولوجيا المالية Fintech والاندماج المالي Financial Inclusion يشرّعان الأبواب أمام فرص العمل، ويسهمان في إقصاء الفقر، من خلال استخدام التقنيّات الجديدة لتطوير المنتجات والخدمات الماليّة المتاحة، وتوفير أدوات جديدة لتلبية احتياجات العملاء بسرعة أكبر وبتكلفة أقلّ… وللمزيد التقت مجلة «البيان الاقتصاديّة» الدكتورة ندى الملاح البستانيّ (أستاذة في جامعة القدّيس يوسف) وكان الحوار التالي:
ما هو مفهوم كلّ من التكنولوجيا المالية Fintech والاندماج الماليّ ال Financial Inclusion؟
- يرتبط مصطلح التكنولوجيا الماليّة بشكل شائع بظاهرة الثورة الرقميّة والتحوّل الرقميّ واقتصاد الخدمات. إنّه مفهوم مشتقّ من ارتباط التكنولوجيا بالعمليّات الماليّة، ويشير إلى استخدام التقنيّات الجديدة لتطوير المنتجات والخدمات الماليّة المتاحة، وتوفير أدوات جديدة أو مناهج مبتكرة لتلبية احتياجات العملاء. أصبح هذا المفهوم شائعاً فقط بين عامي ٢٠١٤ - ٢٠١٥.
ويتميّز الاندماج الماليّ بالآتي: ١- سهولة الوصول إلى المنتجات والخدمات الماليّة. ٢- استخدام المنتجات والخدمات الماليّة. ٣- جودة المنتجات والخدمات الماليّة المقدّمة. ٤- تأثير المنتجات والخدمات الماليّة المقدّمة على الأفراد والشركات.
ما هي التطبيقات التي يمكن استخدامها ضمن هذه التكنولوجيا أو الأمثلة التي يمكن أن تسهل شرح عملها وفائدتها؟
- تغطي التكنولوجيا الماليّة عدّة قطاعات وهي: المدفوعات والتحويلات عبر الهاتف المحمول، الاقتراض من نظير إلى نظير، الخدمات المصرفيّة الجديدة، البلوكتشين، العملات المشفرة، خدمات وأدوات التأمين، إعادة التأمين، إدارة الأصول.
وأضافت الدكتورة البستاني: «في الواقع، تعدّ صناعة الهاتف المحمول اليوم جزءًا من النظام الماليّ الاقتصاديّ، حيث تُخفّف الحواجز أمام اندماج الطرف الثالث من خلال نشر التكنولوجيا الماليّة وتحويل النظام الاقتصاديّ بأكمله نحو عالم الخدمات الماليّة الرقميّ، وتلعب جميعها دورًا مهمًّا في تمكين الاندماج الماليّ».
مجال التكنولوجيا الماليّة في لبنان متطوّر
أين لبنان من هذه التكنولوجيا الماليّة؟
- إن مجال التكنولوجيا الماليّة في لبنان متطور، نظرًا لنظامه الاقتصاديّ المتطوّر. ولقد اتّخذت عدّة شركات دوليّة ناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من لبنان مقرًّا لها. في الواقع، يهتمّ المجتمع اللبنانيّ بالتقنيات المبتكرة الجديدة ويتكيّف معها إلى حد بعيد. فقد أظهرت الإحصائيات التي أجرتها الشركة اللبنانيّة لترويج الاستثمار العامّ (ايدال) أنّ أكثر من نصف المودعين يقبلون الخدمات المصرفية الرقميّة.
يسهّل عدد كبير من مالكي الهواتف المحمولة ومستخدمي الإنترنت دخول شركات التكنولوجيا الماليّة إلى السوق اللبنانيّ. ففي العام ٢٠١٥، احتلّ لبنان المرتبة الثامنة في تنمية مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات وفقًا لمؤشر IDI الدوليّ. كما يجب أن يكون التوسّع المطرّد في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من بين أولويّات الحكومة اللبنانيّة من أجل تعزيز الصناعة الرقميّة، وتحسين البنى التحتيّة.
يتمتّع لبنان بمناخ ترحيبي للشركات الناشئة، حيث توفّر الحكومة اللبنانيّة للمستثمرين الإقليميّين والدوليّين مجموعة من الفرص الماليّة وغير الماليّة. فمثلاً، تقدّم الوزارات والهيئات المختلفة عدّة إعفاءات ومزايا ضريبيّة. وثمّة مجموعة من شركات رأس المال الاستثماريّ التي تزوّد الشركات الناشئة والشركات الصغيرة بالتمويل اللازم.
الاستقرار والنزاهة
ما هي التحدّيات التي قد تواجه تطبيق هذه التكنولوجيا في لبنان؟
- يمكن أن تظهر قطاعات التكنولوجيا الماليّة كحل من بين الحلول من خلال تعزيز الاندماج الماليّ. لذلك، ثمّة حاجة كبيرة لقياس الإمكانات التي يوفّرها الاندماج الماليّ في لبنان. وهذا يتطلّب توضيح مختلف القضايا المتعلّقة بهذا التكامل، سواء كان على مستوى الأفراد أو المشاريع (خصوصًا المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم). كما أنّه من الضروريّ تحديد العوامل التي تؤسِّس لهذا الاندماج الماليّ، لأنّها محفّزات تساعد جميع الأشخاص في الوصول إلى الخدمات والمنتجات الماليّة الحكوميّة، والاستفادة منها بطريقة مناسبة، من أجل الحفاظ على الأمن الاجتماعيّ والاقتصاديّ العامّ وتنمية التكامل الاقتصاديّ. إنّ مؤشِّر النموّ الاقتصاديّ ليس هو المقياس الأمثل، وذلك بسبب التداعيات الاقتصاديّة الناجمة عن وباء «كوفيد-١٩» والحرب الروسيّة الأوكرانيّة وتأثيراتها على العالم أجمع، ولا سيّما على الأنظمة الاقتصاديّة المضطربة مثل لبنان، وعدّة دول في الشرق الأوسط في المديين القصير والمتوسّط. لذلك، أصبح من الضروريّ والحتميّ إيجاد طرق مبتكرة ومستدامة لمكافحة الفقر والتحدّيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة الأخرى في المنطقة وفي لبنان. ومن أجل تحقيق استقرار ماليّ حقيقيّ، بات من الضروريّ لجميع أصحاب الأعمال عرض عملياتهم الماليّة بشفافيّة من أجل تحقيق النزاهة الماليّة للنظام ككلّ. بالإضافة إلى عوامل الاستقرار والنزاهة.
الحدّ من الاقصاء الاجتماعيّ والفقر
ما هي الإسهامات الأساسيّة للاندماج الماليّ في الاقتصاد؟
- يفتح الاندماج الماليّ الأبواب أمام خلق فرص عمل في المناطق المحرومة في لبنان. فمن خلال حشد المزيد من الموارد، يمكن للدولة اللبنانّية تمويل المشاريع الاجتماعّية ومشاريع البنية التحتيّة العامّة. إن هذه المساهمات جميعها ستعمل على تقليص الفوارق الاجتماعيّة والاقتصاديّة تباعًا، فضلًا عن مسألة قدرة لبنان على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبيّة والقيام بدوره في الاقتصاد العالميّ.
- ختامًا، يسهم الاندماج الماليّ، في الحدّ من الإقصاء الاجتماعيّ والفقر، وفي بعض الحالات القضاء عليهما، ما يعني أنّ معدّل استهلاك الأسر اللبنانيّة سيزداد، وينعكس ذلك على ربحيّة الأعمال التجاريّة وتنافسيّتها، ومعها الاقتصاد الوطنيّ. علاوة على ذلك، سنشهد توزيعًا أكثر إنصافًا وشفافيّة للدخل، وبعد ذلك ستكون الحكومة اللبنانيّة قادرة على مساعدة المواطنين الأكثر احتياجًا، من خلال الشبكات الاجتماعيّة التي يمكن تنفيذها بطريقة أكثر استدامة وشموليّة لمكافحة جميع أشكال عدم المساواة.