البلوكتشين والتأمين ضدّ الانقطاع عن العمل ١ من ٢
مهّدت الشعبيّة المتزايدة لتقنيّة البلوكتشين الطريق نحو تطوير العديد من التطبيقات الماليّة اللامركزيّة. ورغم ذلك، لا تزال حلول التأمين غير متوافرة، كما أنّ أهمّيّة هذا التأمين في حالة انقطاع الأعمال أمر حيويّ لبقاء الشّركات. لذلك، التقينا مع البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ لتحدّثنا أوّلًا عن تقييم دور التأمين في حالة انقطاع الشركات عن العمل، وفي جزء ثانٍ عن كيفيّة حلّ جزء من مشاكل قطاع التأمين عبر الحلول الماليّة اللامركزيّة وابتكاراتها، وإمكانات استخدام أدوات التأمين الجديدة كونها فرصة لتغطية مخاطر الانقطاع عن العمل.
- في البداية ما هي معضلة التأمين والانقطاع عن العمل الّتي ظهرت في السنين الأخيرة؟
- أثّرت جائحة كوفيد-١٩ خصوصًا، ومشاكل التضخّم عمومًا، والحرب الأوكرانيّة الروسيّة على الشركات وقطاع التأمين، حيث خسرت الشركات الصغيرة والمتوسّطة مليارات الدولارات شهريًّا، وأصبح كثير من الموظّفين عاطلين عن العمل. وعندما طالبت هذه الشركات قطاع التأمين تعويض خسائرها التشغيليّة، بموجب بوليصة التأمين ضدّ الانقطاع عن العمل، رفضت شركات التأمين تلك الطلبات. كما أعلن قطاع التأمين أنّ هذا النّوع من العقود لا يغطّي الخسائر النّاجمة عن الأوبئة والحروب.
إذ لم يسبق للعالم أن اختبر هذا النوع من الصدمة. فقد سقطت العديد من الشركات في مأزق الإفلاس بسبب اضطرابات السوق، وما يليها من عمليّات التصدير والتخزين. كما فقدت المؤسّسات مهارات مَن أصبحوا عاطلين عن العمل، وكذلك علاقاتهم وتنسيقهم مع شركائهم. وتدنّت معدّلات الإنتاجيّة ذات التأثير الكبير على المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة، خصوصًا في تعثّر التّصنيع نتيجة صعوبة استيراد الموادّ الخامّ.
- ما الحجج الّتي ظهرت في إثر هذه الأزمات؟ وكيف ينقسم عالم التأمين بين مؤيّد ومعارِض؟
- تكمن المشكلة الجوهريّة في ثقة الشركات والمعامل بعقود التأمين الّتي تخصّ الانقطاع عن العمل أو التعويض في هذه الأزمة إذا كانت في الأصل قد أَبرمتْ مثل تلك العقود قبل جائحة أو حرب أو كارثة طبيعيّة. وما يرتبط بها من أهمّيّة الخدمات التأمينيّة في أوقات الأزمات الكبرى، ومستوى قبول عقود التأمين الجديدة، على وجه التحديد، لدى مختلف مجالات العمل.
في هذا السياق، اتّضح أنّه عندما طالبت المؤسّسات التجاريّة والصناعيّة والسياحيّة وغيرها من شركات التأمين بتعويض عمّا ترتّب من الانقطاع عن العمل، رفضت هذه الأخيرة تفعيل مطالب المؤمَّنين. إذ أعلنت الهيئات التأمينيّة أنّ البنود الّتي تخصّ الانقطاع عن العمل لا تغطّي الخسائر المتعلّقة بانتشار الأوبئة. من ناحية أُخرى، اقترح مشرّعون كثيرون من دولٍ عدّة مشاريع قوانين، تطالب شركات التأمين بدفع تعويضات الانقطاع عن العمل. لكن، في غياب المساندة الحكوميّة، فإنّ الخاسرين من هذه الحرب التأمينيّة، هما كلّا الطرفين؛ سواء شركات التأمين، أو المؤسّسات الاقتصاديّة، لأنّ هذا سيؤدّي إلى إفلاس الأطراف المحتضرة.
- لكن ما أهمّيّة شركة التأمين، وما دورها الأساسيّ الّذي تؤدّيه في العالم الاقتصاديّ؟
- إنّ شركة التأمين بالتعريف هي عبارة عن وسيط مالي،ّ يقدّم خدمات توفّر الحماية والتغطية الماليّة ضدّ الأحداث غير المتوقّعة، بنقل عدد كبير من المخاطر المشابهة إلى تجمّع مشترك، وإدارة عمليّة الدفع ضمن هذا التجمّع.
يقوم عقد التأمين على عنصرَين: قسط التأمين الّذي سيدفعه طالب التأمين، والتعويض المستَحق الّذي سيناله مع وجود هامش معيّن للخسارة. كما تفرض شركة التأمين "علاوة مخاطر"، وعادةً ما تكون قسطًا منصفًا. يمثّل هذه القسط المكافئ الماليّ درجة المخاطرة الّتي نُقِل إليها العميل ضمن التجمّع. بالإضافة إلى ذلك، يشمل إجماليّ قسط التأمين جزءًا من أجل تغطية التكاليف الإداريّة المدفوعة سلفًا، لضمان إدارة المخاطر الّتي تواجهها شركة التأمين.
- كيف يُترجم عالم التأمين عمليًّا مبدأ التأمين ضدّ الانقطاع عن العمل؟
- يحمي هذا النّوع من التأمين ضمان تدفّق دخل الشّركة عند توقّفها عن نشاطاتها المعتادة. على الرّغم من اضطرار عدد كبير من الشركات إلى تقليص نقاط الخدمة الّتي تخصّها. ويُلاحظ أنّ هذا النوع من الانقطاع عن العمل الّذي تفرضه الحكومة تسبّب بخسائر فادحة في الأرباح لمعظم الشّركات الخاضعة لهذه المعايير.
إنّ الحجّة الّتي يقدّمها قطاع التّأمين على مستوى عالميّ: "مخاطر الوباء غير قابل للتّأمين، لاستحالة ترقّب حدوثه أو تخمينه" يمكن دحضها لأنّ بعض شركات التأمين كانت تبيع بوالصها لتغطّي على وجه التحديد الخسائر الناجمة عن الأوبئة، قبل جائحة الكوفيد-١٩.
تتساءل الشركات التجاريّة اليوم ما إذا كانت ثمّة بوليصة تأمين تغطّي الانقطاع عن العمل. بالطبع، طَرحتْ هذا السؤال عندما عاينت انتشار جائحة كوفيد-١٩، لا بل مع انتشار فيروس سارس، ولمست نتائجها على مؤسّساتها، وكيف أن لا وباء من دون تأثير مباشر على القطاع الاقتصاديّ والتجاريّ.
- ما رأيك بإدارة المخاطر في حالة الكوارث والانقطاع عن العمل الناتج عن الجوائح والحروب؟
- إنّ إحدى المخاطر التجاريّة قد تنشأ جرّاء الأزمات والأوبئة، تكون إدارة المخاطر أولويّة للشركات والحكومات من أجل بناء شراكة حقيقيّة مستدامة بين القطاعَين العامّ والخاصّ. تحدّد إدارة المخاطر خيارات التعافي، وتضمن اختيار الحلّ الأمثل، وتركيبه، وتنفيذه. يكمن الهدف في متابعة التنفيذ، ومراقبته، وضمان جودته في التنبّؤ بالمخاطر سلفًا.
تُعدّ القدرة على إدارة المخاطر عنصرًا أساسيًّا في النجاح الاستراتيجيّ لأيّ عملٍ تجاريّ أو صناعيّ، أو زراعيّ، أو خدماتيّ. لكن، في ظلّ عدم مقدرة شركات التأمين التقليديّة الالتزام بدفع التعويضات في حالة التأمين ضدّ الانقطاع عن العمل، يمكنها الاعتماد ولو جزئيًّا على التكنولوجيا الماليّة لا مركزيّة ماليّة، فتتكافل وتتعاون شركات التأمين لطرح منتج جديد يقوم على ابتكار ماليّ يرتكز على البلوكتشين، فربّما يجد قطاع التّأمين الاستعداديّة لدى الزّبائن في تقبّل فكرة مبتكرة غير تقليديّة وهجينة كالّتي سنتحدّث عنها لاحقًا.
يُتبع... الجزء الثاني