التكنولوجيا الماليّة: وليدة الاحتياج أم الابتكار؟
إستكمالاً لسلسلة المقابلات الحصرية التي تجريها تيليكوم ريفيو مع النساء الرائدات في عالم التقنية والتكنولوجيا، كان لنا مقابلة مع الدكتورة ندى الملّاح البستانيّ، بروفيسورة في الشؤون الماليّة والإدارة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، ورئيسة مؤسِّسة جمعيّة التميّز للأبحاث المبتكرة والاستدامة والتنمية الاقتصاديّة"AXISSED"، أوضحت خلالها المسار التصاعدي للتكنولوجيا المالية في لبنان والتحديات التي تواجهها، بالاضافة الى دور المرأة في هذا السياق.
- كونكِ بروفيسورة في الشؤون الماليّة والإدارة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، ورئيسة مؤسِّسة جمعيّة التميّز للأبحاث المبتكرة والاستدامة والتنمية الاقتصاديّة "AXISSED". كيف تُقيّمين وضع صناعة التكنولوجيا الماليّة في لبنان والمنطقة العربيّة ككلّ؟
- تشهد صناعة التكنولوجيا الماليّة في لبنان والشرق الأوسط فترة من النموّ والاستكشاف. وفي لبنان على وجه التحديد، ثمّة اهتمام متصاعد بحلول التكنولوجيا الماليّة. اليوم، تغامر الشركات الناشئة في مختلف مجالات التكنولوجيا الماليّة مثل المدفوعات الرقميّة، والإقراض، وإدارة التمويل الشخصيّ، وحتّى تقنية البلوكشين.ومع ذلك، من المهمّ ملاحظة أنّ صناعة التكنولوجيا الماليّة لا تزال حديثة نسبيًّا مقارنةً بالمناطق الأكثر تقدمًا. وكان للتحدّيات الاقتصاديّة والسياسيّة في المنطقة تأثير على سرعة نمو التكنولوجيا الماليّة. ولكن بشكلٍ عامّ، يمكن القول أنّ المسار تصاعديٌّ، والآفاق واعدة في السوق الشرق أوسطيّة.
- هل يمكنكِ توضيح التطبيقات المحتملة لتقنيّة البلوكشين في قطاع الاتّصالات، خاصّة في ما يتعلّق بإنترنت الأشياء (IoT)؟
- بالتأكيد. تحمل تقنيّة البلوكشين وعدًا كبيرًا لقطاع الاتّصالات، وخاصّة في مجال إنترنت الأشياء، فعلى سبيل المثال:
- هويّة جهاز إنترنت الأشياء الآمنة (Secure IoT Device Identity): إذ يمكن أن توفّر تقنيّةالبلوكشين طريقة آمنة ومضادّة للتلاعب في إنشاء هذا النوع من الهويّات بطريقة محميّة من القرصنة والمصادقة عليها على الشبكة. كما يساعد في أتمتة وتسهيل المعاملات على المواطن في نواحٍ عديدة، عن طريق الحوكمة الرشيدة، وقد قمت بدراسة أكاديميّة مع جهات في الصين الّتي تُعتبر رائدة عالميًّا في هذه الصناعة المبتكرة. وهذا ما يُعزِّز الأمان العامّ لشبكات إنترنت الأشياء عن طريق تقليل أخطار الوصول غير المصرح به، والهجمات الضارّة
- العقود الذكيّة للفوترة والتجوال (Smart Contracts for Billing and Roaming): يمكن لصناعة الاتصالات، من خلال العقود الذكيّة القائمة على تقنيّة البلوكشين، أتمتة وتبسيط عمليّات الفوترة. على سبيل المثال، مع انتقال أجهزة إنترنت الأشياء عبر شبكات مختلفة، يمكن للعقود الذكيّة التفاوض تلقائيًّا وتسوية اتفاقيّات الفوترة بين هذه الشبكات.
- سلامة البيانات وشفافيّتها (Data Integrity and Transparency): تضمن تقنيّة "دفاتر الأستاذ الموزّعة" أو "المشتركة" (Distributed Ledger) الخاصّة بالبلوكشين سلامة وشفافيّة البيانات المشتركة بين أجهزة وشبكات إنترنت الأشياء. وهذا مهمّ بوجهٍ خاصّ عندما تحتاج أطراف متعدّدة للوصول إلى مجموعة البيانات نفسها والثقة بمصدرها.
- المدفوعات الصغيرة وتوزيع المحتوى (Micropayments and Content Distribution): تعمل تقنيّة البلوكشين على تسهيل المعاملات الصغيرة، التي يمكن أن تكون ذات قيمة للمدفوعات الآمنة والفعّالة داخل قطاع الاتّصالات. كما يمكن أن ينطبق هذا على سيناريوات مثل خدمات الدفع لكلّ استخدام، أو توزيع المحتوى على أجهزة إنترنت الأشياء.
كيف يمكن مقارنة مشهد التكنولوجيا الماليّة في لبنان، وما هي التحديات التي يواجهها؟
لقد ظهر مشهد التكنولوجيا الماليّة في لبنان واعدًا، لكنّه واجه بعض التحدّيات الملحوظة. وقد اجتذب الموقع الاستراتيجيّ للبلد وإمكانيّاته كمركز ماليّ اهتمامًا من مبتكري التكنولوجيا الماليّة. ومع ذلك، فإنّ عدم الاستقرار الاقتصاديّ والسياسيّ، خصوصًا مع أحداث تشرين الأوّل 2019، وانخفاض قيمة العملة، والشكوك التنظيميّة، شكّلت جميعها عقبات أمام نموّ صناعة التكنولوجيا الماليّة. ومن الممكن أن يؤدّي الافتقار إلى لوائح تنظيميّة واضحة ومحدّدة بشكل جيّد إلى خلق حالة من الغموض لدى الشركات الناشئة والمستثمرين، اللبنانيّين والعرب والعالميّين على حد سواء. كما يشكّل الوصول إلى التمويل، وخاصّة رأس المال الاستثماريّ، تحدّيًا للعديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الماليّة في لبنان. علاوة على ذلك، أثّرتْ جودة البنية التحتيّة الرقميّة، وإمكانيّة الوصول إليها والتحدّيات الاقتصاديّة والمعيشيّة المستمرّة، على اعتماد أوسع لحلول التكنولوجيا الماليّة.
- هل يمكنك تسليط الضوء على دور المرأة في مجال العملات الرقميّة والتحديّات التي قد تواجهها؟
- تُساعد التكنولوجيا الماليّة في اندماج المرأة عالميًّا وإقليميًّا في عالم المال والأعمال أكثر فأكثر، كما تحاول مساعدة نساء أُخريات لا يمكنهنّ تمويل مشاريعهنّ الخاصّة، وذلك عن طريق التمويل الجماعيّ (Crowdfunding). فيمكن أن "تحتشد" مجموعة من النساء لدعم قضيّة ما، أو يخلقن "تكتّلاً" لتحفيز مشروع معيّن. علمًا أنّ أكثر الأدوات الّتي تُساعد في إيجاد مثل هذه الحلول، هي العملات المشفّرة، خصوصًا وأنّ دور المرأة قد تطوّر في السنين الأخيرة في هذا المجال، كما هي الحال في قطاعات التكنولوجيا الأُخرى. تاريخيًّا، كانت المرأة ممثّلة تمثيلًا ناقصًا في قطاعات المال والتكنولوجيا، ولكن حدثت تغييرات إيجابيّة في السنوات الأخيرة، إذ نشط الكثير من النساء في مجالات عِدّة مثل الذكاء الاصطناعيّ كروبوتات الدردشة، وتطوير البلوكشين وتداول العملات المشفرة، وتأسيس الشركات الناشئة القائمة على البلوكشين.
ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، وأذكر منها: التمثيل والتحيّز، فيمكن أن يؤدّي نقص التمثيل والتحيّز بين الجنسين إلى إعاقة فرص المرأة والاعتراف بها في هذا المجال. التواصل والإرشاد، إذ يمكن أن يؤدّي الوصول المحدود إلى الشبكات والإرشاد إلى إعاقة النمو الوظيفيّ للمرأة وتطويرها. كذلك ثقافة مكان العمل، يمكن للثقافات التي يهيمن عليها الذكور أن تخلق بيئات غير مرحّبة بالنساء، ممّا يؤثِّر على ثقتهنّ ومشاركتهنّ. علاوةً على ما ذُكِر، تنمية المهارات،فيَحُدّ عدم المساواة في الوصول إلى موارد التعليم وبناء المهارات من مساهمات المرأة في قطاع العملات الرقميّة .علمًا أنّه في الآونة الأخيرة تُبذَل الجهود لمواجهة هذه التحدّيات وتعزيز المزيد من التنوّع والاندماج في مجال العملات الرقميّة.
أخيراً، لنذكر دوماً أنّه كما كانت "الحاجة أمّ الاختراع"، فلا يزال ثمّة احتياجات كثيرة: اجتماعيّة، سياسيّة، اقتصاديّة بحاجة إلى ابتكارات تُذلل بها العقبات، وتوجد مناخات أفضل للجميع، وخصوصًا للمرأة العربيّة، والنهوض بدورها الرياديّ.