الطاقة الشمسيّة... فصل جديد في ملحمة الطاقة اللبنانيّة
منذ أكثر من عامَين يتّجه عدد كبير من اللبنانيّين إلى تركيب الخلايا الكهروضوئيّة (ألواح الطاقة الشمسيّة) لمواجهة انقطاع التيار الكهربائيّ. وقد ظهر احتياج كبير لدى اللبنانيّ لتركيب هذه الوحدات، بعد الاستسلام شبه العامّ لإمكانيّة إعادة تشغيل محطّات الكهرباء على المدى القصير والمتوسّط. فيعمل الحرفيّون والمهندسون الاختصاصيّون في هذا القطاع بكدّ لتلبية الطلب المتصاعد في السوق اللبنانيّة، ويشجّعهم العائد الماليّ «الجديد» في وقت تراجعت قطاعات إنشائيّة كثيرة، والسؤال الذي يُطرح اليوم: هل كلّ طاقة بديلة هي بحقّ وسيلة صديقة للبيئة؟ وهل يلتزم العاملون والتجّار في قطاع الطاقة البديلة والمُستدامة بالمعايير البيئيّة العالميّة؟
في مطالعتنا لملحمة الكهرباء في لبنان، نجد أنّه منذ نهاية الحرب الأهليّة (١٩٧٥-١٩٩٠)، عانى لبنان انقطاعات يوميّة في التيار الكهربائيّ بسبب العجز المزمن لمزوّد الكهرباء العامّ الوحيد في البلاد (شركة كهرباء لبنان) عن تلبية احتياجات المواطن، والمستثمر، والسائح، وهو ما يترجم سوء الإدارة والفساد المستشرَيين. وكان الحلّ الأمثل حينها، قيام الأفراد والشركات بتعويض هذا النقص باستخدام مولّدات فرديّة أو جماعيّة تعمل على المازوت، وعُمِّمت ظاهرة «الأمبير»، وحتّى صُدِّرت إلى بلدان مجاورة.
لكن، منذ اندلاع الأزمة الاقتصاديّة قبل ثلاث سنوات، ابتُليَت مؤسسة كهرباء لبنان بمشاكل خطيرة في إمدادات الوقود، ما أجبرها على تقليل كميّات كبيرة من الأحمال الكهربائيّة وباتت غير قادرة إلّا على توفير الطاقة لبضع ساعات في اليوم، وفي مناطق محدودة. وأصبح استخدام المولّدات مُكلِفاً جداً بسبب ارتفاع أسعار الوقود الّتي تشغّلها.
وعلى الرغم من بدء تركيب الألواح الكهروضوئيّة قبل فترة طويلة من الأزمة الاقتصاديّة، فهي ليست اختراعا جديدا في حدّ ذاته، لكنّ الكثير من الشركات التي يحركها الربح وتدخل هذا السوق المزدهر، ليست مؤهّلة لتركيب هذه المعدّات، وتعريض المُشترين لخطر نشوب الحرائق، أو أخطاء التثبيت والتركيب. علاوة على ذلك، لا توجد وسيلة حقيقيّة لاستعادة هذه المكونات أو إعادة تدويرها بعد انتهاء عمرها الافتراضيّ.
مع ذلك، لم تعد الطاقة الشمسيّة بديلًا، بل باتت ضرورة. نظرًا لأنّ المولدات الخاصّة باهظة الثمن، لذلك يتّجه عدد متزايدٌ من الأفراد والشركات والمؤسّسات العامّة إلى الطاقة الشمسيّة، لا لاهتمامهم بالبيئة في المقام الأوّل، ولكن على مبدأ «مُكره أخاك لا بطل»... هكذا، تنتشر الألواح الشمسيّة على الأسطح، ومواقف السيارات لتزويد بيوت، وأحياء، وقرى بكاملها بالكهرباء.
عمليًّا، يتعيّن على أُسرة دفع نحو ٦٠٠٠ دولار أميركيّ لتركيب وتجهيز منظومة الطاقة الشمسيّة في المنزل، وتغطية السطح بقضبان معدنيّة وخسارته في استخدامات أخرى، وذلك بشرط تقليل استهلاك الكهرباء في الليل، والحصول على الكهرباء المستمرّة خصوصًا في ساعات ضوء النهار، وهي في حدّ ذاتها رفاهيّة. أمّا واقعيًّا، فيواجه لبنان فقرًا مزمنًا، وحيث يُحرم المدّخرون من ودائعهم المصرفيّة، يظلّ التحوّل إلى الطاقة الشمسيّة عملية مكلفة جدًّا، ولا تُحسب جدواها الاقتصاديّة بطريقة مدروسة.
بفضل البطاريّات المرفقة بالألواح الشمسيّة، يمكن للمواطنين الاستمتاع بالكهرباء لمدّة ٢٤ ساعة مع فواتير أقلّ «وجعًا» قليلًا من المولّدات. علاوة على ذلك، فإن الطاقة الشمسيّة توفّر، وهي طاقة نظيفة ومستدامة إلى حدّ بعيد. كما أنّ تركيب ألواح الطاقة الشمسيّة فعّال من حيث التكلفة، ويبقى الأفضل في بلد يعرف نحو ٣٠٠ يوم من أشعة الشمس في السنة.
سبق سيناريو اليوم مشهد اتّسم بنقص الوقود، وشحّه في كثير من الأوقات، حتّى الوصول إلى إلغاء دعمه، ممّا جعله السلعة التي لا يمكن تحمّلها لدى معظم اللبنانيّين، فأفراد الطبقة المتوسطة وما دون، انهارَت قوّتهم الشرائيّة مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة وارتفاع نسب التضخّم. لذلك، أصبحت الطاقة الشمسيّة خيارًا يتّخذه كثيرون كوسيلة تَعافٍ لحالة الشلل التي تعرّضوا لها مع أزمة الوقود والمولّدات.
من المهمّ أن نلاحظ أنّ الاعتماد على هذه الطاقة البديلة قد «بدّل» من عاداتنا اليوميّة، وأصبحت كلمة الفصل له، وأصبحت الشمس تتحكّم بعادات المستهلك، فعلى سبيل المثال: يجب تشغيل الغسّالات، وسخانات المياه عندما تكون الشمس في ذروتها. كما يجب علينا أيضًا استخدام مصابيح LED واستبدال تلك التي تستهلك كثيراً من الطاقة، وإيقاف أيّ شيء لا نحتاج إليه لتحقيق أقصى استفادة من أشعة الشمس.
من ناحية قانونيّة، أكّدت وزارة الطاقة والمياه في لبنان، أنّه لا يلزم الحصول على ترخيص لتركيب الألواح الشمسّية. إذ تسمح القوانين بإنتاج الكهرباء للاستخدام الشخصيّ بسِعة أقلّ من ١,٥ ميغاواط من دون إذن مسبق، شريطة احترام قواعد معيّنة. على سبيل المثال، يجب أن لا يتجاوز التثبيت (بما في ذلك الهياكل والألواح) ٣ أمتار فوق مستوى السطح في المباني التي لا يزيد ارتفاعها عن ١٥ مترًا، و٤,٥ أمتار في المباني الأكثر ارتفاعًا. ومع ذلك، في كل الحالات الأخرى، يلزم الحصول على إذن. ولسوء الحظ، في الوحدات السكنيّة، تنشأ النزاعات أحيانًا بين الجيران حول تقاسم مساحة السطح المتاحة للألواح الشمسيّة.
على رغم من الإمكانات القويّة للطاقة المتجدّدة، لا تزال حصّة الطاقة المولّدة من النفط في لبنان ٩٥ ٪. كما أدّى انهيار شركة كهرباء لبنان إلى البحث عن حلول بديلة. ويظل نشر مزيد من مشاريع الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح الهيكليّة، المتوخّاة قبل الأزمة، مشروطًا بإنشاء هيئة تنظيميّة للقطاع، واستعادة مؤسّسة كهرباء لبنان، وعودة التمويل الدوليّ في حالة اعتماد برنامج صندوق النقد الدوليّ.
تتطور الطاقة الشمسية بسرعة في لبنان، ولكن على نطاق خاص فقط. ويتمتع لبنان بإمكانات كبيرة للطاقات المتجدّدة، وذلك بفضل ارتفاع مستوى أشعة الشمس كما ذكرنا، والرياح القويّة (٣٠ كم / ساعة في المتوسط في منطقة عكار على سبيل المثال)، من دون أن ننسى الموارد المائيّة في الجبال. ومع ذلك، فإن قدرة الطاقة المتجدّدة المركّبة غير موجودة تقريبًا، باستثناء عدد قليل من البنى التحتيّة الكهرومائيّة القديمة. كما حدّدت الحكومة اللبنانيّة تحقيق هدف انتاج نحو ٣٠ ٪ من الطاقات المتجدّدة من مجمل الطاقة بحلول العام ٢٠٣٠، على أن يموّلها القطاع الخاصّ إلى حدّ كبير.
وعرف لبنان عددا من المشاريع قيد الإعداد منذ أوائل العام ٢٠١٠، ولكنّها عُلِّقت بعد اندلاع الأزمة الاقتصاديّة الماليّة، يمكننا ذكر بعضها:
تمّت الموافقة على إنشاء ٣ مزارع رياح في عكّار، بقدرة إجماليّة تبلغ ٢٢٦ ميغاواط في العام ٢٠١٩. وتقدّر تكلفة المشروع بين ٣٠٠ و٣٥٠ مليون دولار أميركيّ، وشاركت في بادئ الأمر 3 شركات لبنانيّة وعدد من الداعمين الدوليّين. وبلغت هيكلة هذا المشروع مرحلة متقدّمة: إذ منحت التراخيص، ووقعت اتفاقيّات شراء الطاقة، لكنّ المانحين انسحبوا بعد اندلاع الأزمة الاقتصاديّة.
كما تمّ النظر بجدّية في عدد من مشاريع الطاقة الشمسيّة متوسطة الحجم. فمنحت وزارة الطاقة تراخيص لإنشاء ١١ مزرعة كهروضوئيّة، قدرة كلّ منها ١٥ ميغاواط، بتكلفة تقديريّة بلغت ١٠ - ١٥ مليون دولار أميركيّ لكلّ مشروع، في مناطق مختلفة من البلاد. كما وجدت خطط لبناء ثلاث مزارع كهروضوئيّة بقدرة إجماليّة ٣٠٠ ميغاواط. وعلى رغم من اهتمام الشركات المحلّيّة والأجنبيّة، إلّا أنّ هذه المشاريع متوقفة حاليًّا بسبب نقص التمويل.
لكن مشاريع الطاقة الشمسيّة للاستخدام الخاصّ تتطور بنحو متصاعد، مع تسارع تركيب الألواح الشمسيّة من حانب الأسر والشركات (بلا دعم ماليّ) والمؤسّسات (بدعم المانحين). في العامين ٢٠٢١-٢٠٢٢، أصبح مصدر الطاقة هذا منافسًا جدا مع أقرانه، إذ تضاعفت الطاقة الشمسيّة المركبة بمقدار 7 مرّات منذ بداية الأزمة، لتصل إلى ٦٩٠ ميغاواط في العام ٢٠٢٢. ومن المقرّر أن يستمر هذا الاتجاه على المدى القصير، نظرًا للزيادة الكبيرة في واردات الألواح الشمسيّة، وتأتي بمعظمها من الصين. في الوقت نفسه، تظهر مشاريع الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة واسعة النطاق: البلديات الريفيّة، والشبكات الصغيّرة بين المستشفيات والمدارس والمبانيّ الدينيّة، كوسيلة نافعة لإعادة إحياء هذه الوحدات.
بعد هذه النظرة الشاملة على «الظاهرة الشمسيّة» الجديدة المستجدّة، في اعتبارها المصدر الأكثر وفرة للطاقة على الأرض، تحمل الشمس وعودًا هائلة كطريقة نظيفة ويمكن الاعتماد عليها لتزويد عالمنا بالطاقة، وعلينا أن نُعيد النظر في إيجابيّات هذه المصادر وسلبيّاتها، فتُعتبر موضوعًا ساخنًا على بساط البحث اليوم.
إنّ أهمّ ميزة للطاقة الشمسيّة كونها طاقة نظيفة إلى حدّ ما، لأنّها تُقلّل اعتمادنا على الوقود الأحفوريّ. فهي مصدر للطاقة المتجددة وتقلّل من انبعاثات الكربون أو غازات «الاحتباس الحراريّ». علاوة على ذلك، لا تستخدم المياه في شكل أساسيّ، على عكس محطّات الطاقة التي تعمل بالتوربينات البخاريّة.
كذلك، تُعدّ أنظمة الطاقة الشمسيّة سهلة التركيب وتتطلب الحدّ الأدنى من الصيانة. كما يمكنها توليد الكهرباء في أيّ مناخ، لكنّها تخضع لاضطراب مؤقّت في الطقس، إذ تقلل الأيّام الملبّدة بالغيوم كميّة الكهرباء التي تنتجها.
من ناحية أُخرى لا يمكننا غضّ الطرف عن سلبيّات أجهزة الطاقة الشمسيّة، مع أنّها أصبحت أقلّ مع تقدّم الصناعة ونموّها. ويُعدّ العائق الأوّل التكاليف الأساسيّة العالية، وتتفاقم هذه المشكلة في البلدان الفقيرة مثل لبنان، كذلك في اعتماد شريحة واسعة على السكن بالإيجار، وهذا ما لا يمكِّنهم الاستفادة من هذه التقنيّة على المدى البعيد في حالة عدم الاستقرار، فهو استثمار طويل الأجل يناسب مالكي العقارات أكثر من المستأجرين.
كذلك، للاعتماد الكامل على الطاقة الشمسيّة لتشغيل المنزل، لا مفرّ من البطاريّات التي تحتاج إلى صيانة دائمة. وأبعد من ذلك، فإنّ العيب الأكبر لها يعمل ضدّ الغاية الأولى منها، أي الطاقة النظيفة، فلا يوجد حتّى الآن خطط للتخلّص من البطاريّات التالفة، وإعادة تصنيعها في لبنان، ونتخوّف من سلوكيّات تضرّ بالبيئة نفسها. وقد تكون تكلفة التخلّص من البطاريّات مرتفعة بحيث أنّها تجعل الجدوى الاقتصاديّة منها أقلّ بكثير ممّا يروَّج له. كذلك، يحتاج المستخدمون إلى توخّي الحذر في شأن تركيبها. فتتطلب بطاريات الرصاص الحمضيّة، وهي أقلّ تكلفة من بطاريات الليثيوم، مزيدًا من الصيانة ويبلغ متوسّط عمرها الافتراضيّ ثلاث سنوات فقط في الحالات المثاليّة! بينما يمكن أن تدوم بطاريات الليثيوم حتّى عشر سنوات وتكون أكثر موثوقيّة، اعتمادًا على استهلاك كلّ مستخدم والأحمال الكهربائيّة التي تُطلب من تلك الأجهزة تلبيتها.
في المشهد الحضريّ لمدينة بيروت، نجد أنّ توزّع ألواح الطاقة غير مخطّط له، كما أنّ كثيرا من الأسطح غير معدّة لهذه الإضافات، سواء من طبيعة مواد البناء، أو توجّه الأسطح والمباني المحيطة، وبالتالي فإنّ العشوائيّة تغلب اليوم على التنظيم الحضريّ، وكذلك الرغبة والإمكانيّة المادّيّة على المشاريع المدروسة اقتصاديًّا وبيئيًّا.
عند الموازنة بين إيجابيّات الطاقة الشمسيّة وسلبيّاتها، سواء لمنزل أو لشركة أو لمصنع، نجد أنّ ثمّة خيارات إضافيّة تستحقّ الدراسة المعمّقة. فتعدّ مشاريع الطاقة الشمسيّة المجتمعيّة طريقة أفضل للحصول على الطاقة من دون الحاجة إلى شراء وصيانة وحدات مستقلّة، خصوصًا مع عدم وجود التخطيط المسبق، إذا كان المنزل أو السطح لا يدعمان تركيب الألواح الشمسيّة، أو عدم توافر المال الكافي للاستثمار.
في ختام هذه اللمحة السريعة، كيف ستتابع ملحمة الكهرباء اللبنانيّة الكبرى أحداثها؟ هل نعود إلى منظومة مقنّعة لتلك التي انتشرت مع المولّدات العاملة بالوقود؟ أم تقوم الدولة اللبنانيّة بدورها وتعمل على مشروع متوازن ومدروس بين الطاقة الشمسيّة، والطاقة المتولّدة من الرياح، وتُبهج اللبنانيّين أخيرًا بالكهرباء؟ فننسى الحديث عنها أسوة ببقية الشعوب، ونعرف نهاية سعيدة، لا بل «بطوليّة»!