قيادة التغيير والتنقل المستدام في لبنان

نُشر هذا المقال في جريدة الجمهوريّة، في ١١-٤-٢٠٢٥. لقراءة المقال على الموقع، اضغط هنا.

كان التحوّل العالمي نحو وسائط النقل الكهربائية مدفوعاً بالمخاوف المتعلّقة بالمناخ، وارتفاع تكاليف الوقود، والتقدّم في تقنيّات الطاقة النظيفة. وقد اتخذ لبنان، على رغم من أزمته الاقتصادية ومحدودية بنيته التحتية، خطوات لتشجيع اعتماد السيارات الكهربائية بالحوافز المالية. لكن يبقى السؤال، هل توفّر السيارات الكهربائيّة بديلاً عمليّاً للمركبات التقليدية؟ وما السياسات والابتكارات التي يمكن أن تدعم هذا التحوّل؟

رحّبت رابطة مستوردي السيّارات في لبنان باستمرار المزايا الماليّة لاستيراد السيارات الكهربائيّة في موازنة ٢٠٢٤. فمنذ العام ٢٠١٨، مُنِحت تخفيضات وإعفاءات كبيرة على الرسوم الجمركيّة ورسوم تسجيل السيارات، والدراجات، والعجلات الكهربائيّة، وانسحب ذلك على السيّارات الهجينة.

فبموجب المادّة ٦٩ من موازنة ٢٠٢٤، تُعفى واردات السيارات الكهربائيّة بنسبة ١٠٠٪ من الرسوم الجمركيّة والضرائب الانتقائيّة لخمس سنوات. كما ستخفَّض رسوم التسجيل والرسوم الميكانيكيّة بنسبة ٧٠٪. إذ تتماشى هذه السياسات مع الجهود العالميّة الرامية إلى الحدّ من التلوّث، والاعتماد على الوقود الأحفوريّ مع تخفيف العبء الماليّ على المستهلكين.

كذلك، يوفّر التحوّل إلى السيارات الكهربائيّة في لبنان فوائد اقتصاديّة وبيئيّة متعدّدة. إذ يمكن أن يؤدّي تقليل الاعتماد على الوقود إلى خفض فاتورة الواردات، في حين أنّ الاستثمارات في البنيّة التحتيّة للسيارات الكهربائيّة يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة. علاوة على ذلك، فإنّ تحسين جودة الهواء بالحدّ من انبعاثات المركبات قد يقلّل من تكاليف الرعاية الصحيّة المتعلّقة بالأمراض الناجمة عن التلوّث، خصوصًا في بلد مثل لبنان، يشكّل فيه النقل ما نسبته ٥٠٪ من أسباب تلوّث الهواء. 

من ناحية أُخرى، وعلى الرغم من الحوافز الحكوميّة الاستباقيّة التي تهدف إلى تعزيز اعتماد السيارات الكهربائيّة، يواجه لبنان العديد من التحدّيات الحرجة التي تعيق الانتقال الواسع النطاق إلى التنقّل النظيف. أوّلها، عدم وجود شبكة شحن واسعة وموثوقة. فعلى عكس الأسواق المتقدّمة حيث تنتشر محطات الشحن العامة على نطاق واسع، لم يطوّر لبنان بعد بنية تحتيّة قويّة لدعم مستخدمي السيارات الكهربائيّة. ويثير هذا القصور القلق بوجهٍ خاص في المناطق الحضريّة حيث تندر خيارات الشحن في الشوارع، وفي المناطق الريفيّة حيث يمكن أن تؤدي المسافات الطويلة بين نقاط الشحن إلى تقلّص عدد المشترين المحتملين. 

كذلك، بالرغم من تطبيق الحوافز الضريبيّة والإعفاءات الجمركيّة، إلّا أنّ التكلفة الأوّليّة لا تزال عائقًا رئيسيًّا للعديد من المستهلكين. وقد أدّت الأزمة الاقتصاديّة المستمرّة في البلاد، وانخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة إلى انخفاض القوّة الشرائيّة، ممّا يجعل السيارات الكهربائيّة حلم بعيد المدى. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ خيارات التمويل لشراء هذه السيارات، والحصول على القروض، محدودة بسبب القيود المفروضة على القطاع المصرفيّ.

علاوة على ما ذُكِر، نجد أنّ شبكة الكهرباء في لبنان غير مستقرّة، حيث يؤثِّر انقطاع التيّار الكهربائيّ على أجزاء كبيرة من البلاد يوميًّا، ممّا يشكّل تحديًّا كبيرًا لأصحاب السيارات الكهربائيّة الذين يعتمدون على الشحن المنزليّ وترتفع فاتورة الكهرباء بدورها. وبينما تحوّلت بعض المنازل والشركات إلى حلول الطاقة الشمسيّة الخاصّة، فإنّ هذه الاستثمارات مكلفة وغير مجدية لجميع المستهلكين.

أخيرًا، أدّى نقص الوعي على نطاق واسع عن الفوائد طويلة الأجل للمركبات الكهربائيّة إلى إبطاء اعتمادها. فلا يزال العديد من المستهلكين متشكّكين بشأن أداء بطاريّات السيارات الكهربائيّة، وطول عمرها الافتراضيّ، فضلًا عن قيمة إعادة بيع السيارات الكهربائيّة مقارنة بنطيرتها التقليديّة. كما تساهم المخاوف بشأن الصيانة وتوافر الفنيّين المهرة لإصلاح السيارات الكهربائيّة في زيادة تردّد المستهلكين المحتملين.

في مشهدٍ آخر، وفي خضم الأزمة الاقتصاديّة والسياسيّة، ابتكر رائد أعمال لبنانيّ أوّل مركبة تعمل بالطاقة الشمسيّة الكهربائيّة في البلاد، أطلق عليها اسم ”ليرا“. صُمِمت هذه المركبة المبتكرة لمعالجة نقص الوقود، وهي تعمل بالكهرباء والطاقة الشمسيّة، ممّا يجعلها بديلًا قابلًا للتطبيق. ويصل مدى السيارة ”ليرا“ إلى ٢٠٠ كم، ويمكن شحنها بالكامل في غضون ٣٠ دقيقة فقط، مع ألواح شمسيّة مدمجة في سقفها، ويوضِّح هذا المشروع قدرة لبنان على تطوير صناعة السيارات الكهربائيّة. ومع ذلك، لا يزال الدعم الماليّ يشكِّل تحدّيًا كبيرًا. 

هكذا، يمكن أن يؤدّي اعتماد السيارات الكهربائيّة إلى تحفيز الاقتصاد اللبنانيّ بعدّة طرق. فمن شأن الحدّ من واردات الوقود أن يخفِّف الضغط على احتياطات العملات الأجنبيّة، كما أنّ تطوير صناعة محلّيّة للسيارات الكهربائيّة، بما في ذلك خدمات الصيانة وإعادة تدوير البطاريات وتوسيع البنية التحتيّة، يمكن أن يخلق فرص عمل ويحفِّز الابتكار التكنولوجيّ. وفي حين أنّ لبنان بذل جهودًا جديرة بالثناء لتحفيز التنقّل الكهربائيّ، إلّا أنّ التحديات الهيكليّة والاقتصاديّة لا تزال تعيق تقدّمه، وتتطلّب معالجة هذه العوائق نهجًا متعدّد المسارات. 

ختامًا، ينطوي انتقال لبنان إلى السيارات الكهربائيّة على إمكانات كبيرة لتحقيق الانتعاش الاقتصاديّ والاستدامة البيئيّة على حدّ سواء. وتمثّل الحوافز الحكوميّة خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن، يجب معالجة التحدّيات مثل محدودية البنية التحتيّة وارتفاع التكاليف. وتسلّط الابتكارات مثل ”ليرا“ التي تعمل بالطاقة الشمسيّة الضوء على الإبداع اللبنانيّ وإمكانية لبنان على إيجاد حلول محلّيّة. فيمكن أن يؤدّي اعتماد السيارات الكهربائيّة إلى تقليل الانبعاثات وتعزيز أمن الطاقة، وتحفيز النمو الاقتصاديّ، بالسياسات والاستثمارات الصحيحة، ممّا يمهِّد الطريق لمستقبل أكثر استدامة.