تشهد الأسواق العالميّة تغييرات كثيرة كان أبرزها ارتفاع ملحوظ في أسعار الذهب وكسره أرقامًا قياسيّة فاقت أشدّ التوقّعات تفاؤلًا، وهو بدوره حدثٌ بارز في عالم البورصة، ولا سيّما في ترقّب المشهد الاقتصاديّ العامّ، والسياسة العالميّة بما تحمله من تحالفات جديدة. قابلت البيان البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ لتحدّثنا عن بحث المستثمرين عن الملاذات الآمنة، وخصوصًا في المعادن الثمينة، كالفضة والبلاتين والبلاديوم، وأثرها في الصناعة، وتأثيرها في ديناميكيّات السوق.
- بدايةً، هل لكِ أن تحدّثينا عن المعدن الأصفر والمشهد الاقتصاديّ الجيوسياسيّ بوجهٍ عامّ؟
- يؤدّي التفاعل بين السياسة الاقتصاديّة الأميركيّة والأحداث الجيوسياسيّة العالميّة وأسواق السلع الأساسيّة إلى خلق بيئة معقّدة ماليًّا. فدعوات الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى خفض أسعار الفائدة، جنبًا إلى جنب مع ارتفاع أسعار السلع الأساسيّة، وخصوصًا المعادن، تغذّي المخاوف بشأن تسارع التضخّم في ظلّ تباطؤ الحركة الاقتصاديّة. وبالتالي، فإنّ احتماليّة انخفاض عوائد سندات الخزانة الحقيقيّة واستقرار سوقها يجعل الذهب وغيره من المعادن الثمينة أصلًا جذّابًا. وعلى الرغم من الانخفاضات الطفيفة في الأسعار، من المتوقّع أن تؤدّي إلى عمليات شراء كبيرة، حيث يقوم مديرو الأصول بوضع أنفسهم في مواجهة مستقبل تضخّمي. ويتمثّل السؤال الرئيسيّ لهؤلاء المستثمرين في تحديد الحدّ الأعلى المحتمل لأسعار الذهب، وهو تحدٍّ يزيد من تعقيده الطبيعة المتقلّبة لسياسات ترامب التجاريّة.
- كيف تعمل ديناميكيّة تحديد أسعار الذهب وغيرها من المعادن الثمينة؟
- يحظى الارتفاع المستمرّ بدعم من الطلب الدائم على صناديق المؤشّرات المتداولة، إلى جانب حالة عدم اليقين الجيوسياسيّ الناجمة عن الصراع الأوكرانّي-الروسيّ، على سبيل المثال لا حصر، واحتمالية إلغاء التعامل بالدولار الأميركيّ. في حين أنّ وقف الأعمال العدائيّة قد يغيّر بعض هذه الديناميكيّات، إلّا أنّ الاتّجاه الحالي يشير إلى استمرار دعم الذهب. وتضيف حالة عدم اليقين التي تحيط بسياسات ترامب التجاريّة، وتحديدًا التأخّر في تطبيق التعريفات الجمركيّة، طبقة أُخرى من التعقيدات. يراقب السوق هذه التطوّرات عن كثب، حيث يمكن أن تؤدّي التعريفات الجمركيّة إلى تقوية الدولار الأميركيّ وخلق تراجع في أسعار الذهب. يتنقّل المتداولون في هذا المشهد المتقلّب عن طريق تحديد مستويات الدعم والمقاومة الرئيسيّة، والاستعداد لصفقات الشراء والبيع على حدٍّ سواء بناءً على الاختراقات المحتملة للأسعار.
- وماذا عن الفضّة؟ وما التوقّعات التي يرصدها المراقبون؟
- للفضة دور مزدوج كملجأ آمن ومعدن صناعيّ. وقد تناغمت أسعار الفضة مع الذهب بشكل ملحوظ، إلّا أنّها تتميّز بخصائص فريدة بدورها، بفضل استخدامها الواسع في قطاعات مثل الأجهزة والطاقة الشمسيّة. ويعزّز هذا التوجّه تزايد الطلب على هذا المعدن الثمين من مصادر الطاقة المتجدّدة، والتقدّم التكنولوجيّ، ونقص المعروض. ومع ذلك، قد يؤدّي الركود الاقتصاديّ والتغيّرات في السياسات النقديّة إلى حالة من عدم الاستقرار لا نعرف عنها شيئًا بعد.
- وماذا عن البلاتين؟ هل من عوامل مغايرة تحدّد قيمته في السوق؟
- يتأثّر سوق البلاتين بشدّة بالطلب الاستثماريّ والاستخدام الصناعيّ، ولا سيّما في صناعة السيارات، حيث يُستخدم في المحوّلات. فمع توجّه العالم نحو تقنيّات صديقة للبيئة واقتصاديّة، يشهد البلاتين اهتمامًا متزايدًا لدوره المحتمل في خلايا وقود الهيدروجين. وعلى الرغم من التقلّبات الأخيرة، فإنّ الأهمّيّة الصناعيّة المتنامية للبلاتين تدعم اتجاهًا إيجابيًّا طويل الأجل، إلى جانب استقرار العرض من كبرى الشركات المصنّعة مثل جنوب إفريقيا.
- يبقى البلاديوم في حديثنا عن المعادن الثمينة الأساسيّة؟ ما الذي يميّز أدائه مع أقرانه؟
- في ظلّ التوّسع السائد، يبقى البلاديوم أقلّ من العرض والطلب في قطاع النقل. وقد شهد البلاديوم تقلّبات حادة في الأسعار على مدى العقود الماضية، ويعود ذلك أساسًا إلى التحوّلات في قطاع السيارات وقيود التوريد من روسيا، أكبر مُصنّعيه. وفي حين أنّ الاعتماد المتزايد على النقل الكهربائيّ قد يحدّ من الطلب على البلاديوم في المحوّلات، فإن استمرار الاستخدام الصناعيّ واحتماليّة اضطرابات العرض قد تُبقي الأسعار مرتفعة بشكل عامّ.
- ختامًا، ما توصياتكِ للمستثمر العربيّ الذي يراقب المعادن الثمينة، ويرى فيها ملاذًا آمنًا؟
- بشكل عامّ، وبينما يواصل الذهب هيمنته على المشهد، تُثبت المعادن الثمينة قيمتها في ظلّ بيئة ماليّة معقّدة. ومع تجاوز المضاربين لضغوط التضخّم واضطرابات سلسلة التوريد، من المتوقّع أن تبقى هذه المعادن مكونات أساسيّة في محافظ استثماريّة متنوّعة. وبالتالي، تتأثّر النظرة المستقبليّة للمعادن الثمينة في العام ٢٠٢٥ بعوامل الاقتصاد الكلّيّ، مثل الضغوط الجيوسياسيّة، وأنماط النموّ، وسياسات المصارف المركزيّة. ومن المرجّح أن تؤثّر الصراعات المستمرّة، والإصلاحات الماليّة للاقتصادات الكبرى، وعدم الاستقرار الذي يحيط بالتداول العالميّ تحديدًا، على توجّه المضاربين نحو المعادن الآمنة، مثل الفضة والبلاتين والبلاديوم. علاوة على ذلك، يُشكّل التوجّه نحو الطاقة النظيفة والتقدّم في التطوّرات التكنولوجيّة عوامل طلب على هذه المعادن.
أخيرًا وليس آخرًا، مع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسيّة عالية وتخطّي حدّ ال٣٠٠٠ دولار أميركيّ، فمن غير المرجّح أن يتمكّن المستثمرون من شراء المعدن وتقليبه لتحقيق عوائد سريعة. فيجب على الناس أن ينظروا إلى الذهب كجزء صغير من محفظتهم الاستثماريّة، فيُستحسن عدم ضخّ كلّ أموالهم ومدّخراتهم فيه ووضعها في محافظ متنوّعة.